مقالات

أ. شاذلي عبدالسلام محمد يكتب … صراخ الصمت في زمن المكالمات

fjajpresd.com

رأي إعلامي

أ. شاذلي عبدالسلام محمد

صراخ الصمت
في زمن المكالمات

🔹في عصر تتسابق فيه التكنولوجيا على غزو تفاصيل حياتنا، تبرز المكالمات الهاتفية كواحدة من أكثر العادات المفرطة في الاستخدام، خاصة في السودان. مشهدٌ يتكرر كل يوم هاتف يرن، حديث يبدأ وساعات تمر دون أن تترك وراءها سوى فواتير منهكة وزمن مبدد هل أصبحت المكالمات مرآة لثقافة تستهلك الوقت بلا هدف؟…

🔹في المجتمع السوداني تظهر المكالمات الطويلة ظاهرة اجتماعية تتجاوز حدود التواصل الطبيعي كثيرا ما تتحول المكالمة إلى مساحة للثرثرة، حيث تستهلك الكلمات في قضايا هامشية وأحاديث عابرة لا تحمل مضمونا حقيقيا لماذا تصبح المكالمة غاية في حد ذاتها وليست وسيلة؟….

🔹هذا السلوك يعكس هشاشة علاقتنا بالزمن وبذواتنا، إذ يتحول الحديث إلى عادة يومية تمارس دون تفكير أو إدراك هنا يكمن التساؤل كم من الوقت المهدر في أحاديث لا تضيف شيئا إلى حياتنا؟…

🔹عزيزي الكريم إن الزمن هو المورد الوحيد الذي لا يمكن تعويضه، ومع ذلك نبدده يوميا بلا وعي و ليست المشكلة في المكالمات بحد ذاتها، بل في غياب إدراكنا لقيمتها ففي مجتمعات أخرى، يعامل الزمن بقدسية، أما نحن، فنتعامل معه كسلعة مجانية….

🔹في عالم تقاس فيه إنتاجية الأفراد بمدى إدارتهم للوقت، نجد أنفسنا نغرق في بحر المكالمات الفارغة التي تستنزف أعمارنا دون مقابل….

🔹لا تعبر المكالمات الطويلة فقط عن إهدار للوقت، بل تمثل عبئا اقتصاديا كبيرا فتكاليف المكالمات ليست بسيطة، ورغم ذلك نجد الكثيرين يستهلكون ساعات من الحديث غير المجدي ففي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، كيف نبرر هذا النزيف المستمر؟….

🔹حين تهدر الأموال على مكالمات فارغة، تتأثر الأولويات الأخرى للحياة، مما يضيف ضغوطا جديدة بدلا من تخفيفها….

🔹احبتي ربما تكون أكبر المآسي هي محتوى هذه المكالمات فحديث مكرر، قصص يومية عابرة، وأحيانا شكوى دائمة لا تحمل جديدا فهذه المكالمات ليست فقط مضيعة للوقت، بل تعكس أزمة إنتاجية فكرية…..

🔹في مجتمعات تقدر الكلمة كأداة للتغيير والإبداع، تحولت المكالمات لدينا إلى ساحة لعبث الكلمات، حيث يغيب العمق والقيمة….

🔹عزيزي القارئ في العالم الغربي، تدار المكالمات بصرامة، إذ تحدد مدتها مسبقا وتستخدم بفعالية أما في مجتمعاتنا، فتبدأ المكالمة بتحية وتنتهي بجلسة مطولة لاستعراض اليوم بأكمله فهذا الفارق في تقدير الزمن يكشف عن فجوة ثقافية عميقة….

🔹يمكنني القول بان هناك سؤالا مهما يبحث عن الاجابة كيف ان نتحرر من هذا الافراط ؟ فالتحرر من الإفراط في المكالمات يبدأ بوعي جماعي وفردي بأهمية الزمن وقيمته، ويتطلب ذلك إعادة تشكيل علاقتنا بالمكالمة الهاتفية كوسيلة للتواصل لا كغاية بحد ذاتها و علينا أن ندرك أولا أن المكالمة ليست فرصة لملء الوقت الفارغ، بل أداة لتحقيق غرض محدد بوضوح، وبالتالي يجب أن يكون لكل مكالمة هدف واضح ومحدد قبل البدء فيها و من الضروري أن نخصص وقتا محدودا لكل مكالمة ونلتزم بهذا الإطار الزمني بحزم، فالإفراط في الحديث العشوائي لا يخدم إلا هدر الوقت والمال ويمكن استبدال المكالمات الطويلة بأنشطة ذات قيمة مثل قراءة كتاب، ممارسة الرياضة، أو حتى التواصل عبر الرسائل النصية التي تتيح إيصال الفكرة بسرعة وفعالية بالإضافة إلى ذلك، يجب علينا تعزيز ثقافة الحوار المركز والموجه، بحيث تقتصر المكالمات على القضايا ذات الأولوية بدلا من الانجراف في تفاصيل غير ضرورية و هذا التغيير يتطلب إرادة صادقة لتبني عادات جديدة تقدر الزمن وتحسن استثماره، فالإدارة الحكيمة للوقت ليست رفاهية بل ضرورة تسهم في رفع جودة حياتنا ومستوى إنتاجيتنا، وهي الطريق الأمثل للتخلص من عبء المكالمات غير المجدية….

🔹ختاما المكالمة الهاتفية ليست مشكلة بحد ذاتها، بل طريقتنا في التعامل معها هي ما يحتاج إلى تصحيح فلنتوقف للحظة بين مكالمة وأخرى، ونستمع إلى صوت الحكمة الذي يذكرنا بقيمة الزمن و ما نضيعه اليوم من وقت ومال، لن نستعيده غدا لذا دعونا نتعامل مع المكالمات كوسيلة للتواصل الفعال، وليس كعادة تستهلكنا بلا عائد…..

🔹الى ان نلتقي…

٦ يناير ٢٠٢٥م

فجاج برس

صحيفة سياسة اجتماعية شاملة مستقلة ، تدعم حرية الرأي و الرأي الاخر، وحرية الاديان ، ونبذ خطاب الكراهية و العنصرية و القبلية و الجهوية و مكافحة المخدرات ، و تدعو للسلام و المحبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى