مقالات

.شاذلي عبدالسلام محمد يكتب …  ضيوف بلا دعوة

fjajpress.net

*رأي إعلامي*

أ.شاذلي عبدالسلام محمد

 ضيوف بلا دعوة

 

🔹المستشفى… تلك الكلمة التي تعني الأمل والراحة هي المكان الذي يلجأ إليه المريض ليجد العناية والاهتمام حيث تختفي الفوضى ويغمر المكان بنظام صارم يضمن حياة كريمة للمرضى والمرافقين لكن حينما تتجول في أروقة المستشفيات وتجد القطط بكثرة مذهلة وكأنها جزء من المنظومة لا تستطيع إلا أن تقف وتتساءل كيف أصبحت القطط جزءا من هذا المشهد؟ وكيف نسمح لمكان كهذا يفترض أن يكون رمزا للنظافة والنظام أن يتحول إلى مأوى لهذه الحيوانات؟….

🔹عزيزي القارئ خلال زياراتي المتكرره للمستشفيات ومكوثي مع والدتي الان لفت نظري الكم الهائل من القطط التي تتحرك بحرية وكأنها تمتلك المكان رأيتها تتسلل بين الممرات تقفز بين المقاعد تقترب من أسرة المرضى بل أحيانا تتجول في أجنحة حساسة لا يفترض أن يدخلها سوى العاملين مشهد لا يمكن وصفه إلا بالعبث لكنه في الوقت نفسه يثير العديد من التساؤلات الفلسفية حول حال المستشفيات نفسها هل وجود القطط يعكس مشكلة أعمق مما يبدو؟…

🔹احبتي وجود القطط في المستشفيات ليس مجرد تفصيل عابر فهذه الحيوانات رغم طابعها الأليف تشكل خطرا صحيا لا يمكن تجاهله فهي ناقلة للبكتيريا والطفيليات التي قد تسبب أمراضا خطيرة خاصة لمرضى المناعة الضعيفة الذين تعتبر المستشفى بالنسبة لهم المكان الأكثر أمانا كما أن فضلات القطط التي تنتشر في الزوايا والأركان تشكل بيئة خصبة لنمو الجراثيم مما يضاعف خطر العدوى داخل المستشفى…..

🔹لا يتوقف الأمر عند الجانب الصحي فقط بل يمتد إلى التأثير النفسي تخيّل مريضا يعاني من رهاب الحيوانات يفاجأ بقط يتجول قرب سريره أو مرافقا يرى القطط تتقافز في مكان يفترض أن يكون مثالا للنظام المشهد بأكمله يثير شعورا بالفوضى واللامبالاة……

🔹عزيزي الكريم لكن السؤال الأهم لماذا القطط؟ ولماذا المستشفيات تحديدا؟فالقطط بحكم طبيعتها تبحث عن الأماكن التي توفر الغذاء والمأوى المستشفيات مع ما تحتويه من مخلفات طعام تلقى بلا مبالاة في الممرات والزوايا تصبح بيئة مثالية لهذه الحيوانات أضف إلى ذلك الإهمال الإداري في مراقبة النظافة فتتحول المستشفيات تدريجيا إلى أماكن جذابة لهذه الكائنات…

🔹لكن السر قد يكون أعمق من ذلك فالمستشفيات نفسها أصبحت تعاني من حالة من التسيب وعدم التنظيم فالقطط في المستشفيات ليست سوى مرآة تعكس حال هذه المؤسسات التي تعاني من الإهمال وضعف الرقابة و إنها دليل على الفوضى التي تسكن التفاصيل الصغيرة والتي تعكس خللا أكبر في إدارة المنظومة الصحية بأكملها…

🔹احبتي كما ذكرت بالامس وبينما كنت في صيدلية المستشفى أشتري بعض الأدوية اقترب مني الصيدلاني وهمس قائلا (تابع العلاجات بنفسك ولا تتركها للأطباء )كان صوته منخفضا وكلماته غامضة لكنها حملت دلالة واضحة على وجود شيء غير طبيعي وعندما سألته عن السبب أجاب بجملة واحدة: (نصيحة مجرب ومن غير تفصيل) عبارته أشعلت في ذهني سلسلة من التساؤلات هل يحتمل أن تكون القطط جزءا من هذه المنظومة غير المعلنة؟ هل تستخدم هذه الحيوانات كوسيلة لإخفاء بقايا أدوية أو للتغطية على أخطاء معينة؟ أم أن القصة أبسط من ذلك و تتعلق فقط بإهمال النظافة وانعدام الرقابة؟…

🔹لكن الحقيقة التي أثارت قلقي هي الكم الهائل من العلاجات التي تكتب ولا تستخدم كما وضحت في زاوية الأمس و في أحد الأجنحة رأيت أكياسا مليئة بالأدوية تركت بلا استخدام وكأنها مجرد ورق يستهلك بلا قيمة….

🔹التخلص من ظاهرة القطط في المستشفيات يتطلب معالجة الأسباب وليس النتائج الخطوة الأولى تبدأ بإعادة هيكلة نظام النظافة و يجب التخلص الفوري من أي بقايا طعام أو مخلفات يمكن أن تُغري القطط بالتواجد كما أن تدريب العاملين على أهمية النظافة وتوفير حاويات مغلقة للمخلفات يعتبر أمرا ضروريا …

🔹التعامل الإنساني مع القطط نفسها أمر لا بد منه يمكن التعاون مع الجمعيات البيطرية لنقلها إلى أماكن مخصصة توفر لها المأوى والغذاء بعيدا عن المستشفيات فالهدف ليس القضاء على القطط بل حماية المرضى وضمان بيئة صحية آمنة للجميع….

🔹لكن الأهم من ذلك كله هو تغيير الثقافة الإدارية التي تسمح بحدوث مثل هذه الفوضى فالمشكلة ليست في القطط بحد ذاتها بل في النظام الذي يسمح بوجودها فإذا كانت المستشفى عاجزة عن إدارة مثل هذا الأمر البسيط فكيف يمكنها أن تتعامل مع قضايا أكبر تتعلق بصحة المرضى وسلامتهم؟…

🔹احبتي القطط في المستشفيات ليست مجرد ظاهرة بيئية أو مشكلة صحية بل هي تعبير عن العبثية التي تسكن التفاصيل الصغيرة في حياتنا و إنها تذكير بأن الإهمال يبدأ من الأشياء الصغيرة ويتفاقم ليصبح كارثة شاملة….

🔹إذا أردنا أن نتحدث عن المستشفيات كنموذج للنظام والرعاية فلا يمكننا تجاهل هذه الظاهرة لأن القطط بحضورها الصامت تذكرنا بأن النظام الذي لا يُحكم على التفاصيل الصغيرة محكوم عليه بالانهيار لذلك عندما ترى قططا تتجول بحرية في المستشفيات لا تنظر إليها كمجرد حيوانات ضالة انظر إليها كعلامة على ما يمكن أن يحدث عندما نغفل عن جوهر المسؤولية انظر إليها كتجسيد للفوضى التي تغلف حياتنا وكفرصة للتفكير في إصلاح النظام الصحي الذي يعاني من نفس الخلل….

🔹فالمستشفى كما ينبغي أن تكون ليست مجرد مبنى إنها مكان يضج بالحياة بالأمل وبالإنسانية وأي شيء يشوه هذه الصورة مهما بدا بسيطا يعد إخلالا بجوهرها الحقيقي….

🔹الى ان نلتقي…..

٣ يناير ٢٠٢٥م

فجاج برس

صحيفة سياسة اجتماعية شاملة مستقلة ، تدعم حرية الرأي و الرأي الاخر، وحرية الاديان ، ونبذ خطاب الكراهية و العنصرية و القبلية و الجهوية و مكافحة المخدرات ، و تدعو للسلام و المحبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى