مقالات

حسن فضل المولى يكتب … حكاياتي مع شاعر ( شان بلدي )

فجاج برس

حسن فضل المولى  
حكاياتي مع شاعر ( شان بلدي ) ..

( و حات دمي النزف يوم داك
و بَلَّ الطين
أقيف و أرْكِز
و لا بتهدَّ بالكلمات
و لا السكين
و شان بلدي
و شان الخير يزيد و يدِّي
أقيف مَارِد أريد أرضي
أعيش فوقها
و أموت فوقها
و محال يرخص تراب أهلي ) ..
و يشاء الله أن يموت ( هاشم
صديق ) بعيداً عن بلده ،
و لكن ،
محال أن يرخص تراب أهله ،
و مرقد أهله ،
و عِزّ أهله ،
و هوى أهله ،
و سنظل مساء كل يوم نُنصِّبُ
( أمونةً ) نُشْهِر حبَها في المدائن
و الآفاق ..
( كل البنات أمونة ياخرتوم
معاي ساعة أفتح الدكان
معاي ساعة الدرس بالليل
معاي في البص علي ام درمان ) ..
و نغني بدمع العين مع
( بن البادية ) ..
( ياجنا
في بعادنا عن أرض الحنان
الليلة مرت كم سنة
و أشواقنا لي نخل الفريق
الضامي في سدرو الجنا ) ..
و نتحسر على العسل الكِمل ..
( عارف تمام
كِمِل العسل
و الشوق رحل
لمس اليباس حتى السلام
ماتت حروف كل الكلام ) ..
و إزاء كل جبروت و صلَف تنفُث
صدورُنا حِمماً حارقة ..
( وطني نحن سيوف أمجادك
و نحن مواكب تفدي ترابك
و لسه الشارع بشهد لينا
يوم الغضبة حصاد ماضينا ) ..
فيااا ( هاشم ) ..
و أنا إذ أفتقدك ،
أحسبني من أولئك الذين كنت
تودهم ،
و تلقاهم ببشاشة آسرة ،
و هو ماكان يسعدني و يبهجني ..

و أنا هنا ليس قصدي ،
و لا بمقدوري أن أكتب عنه ..
عن عبقريته ،
و موسوعيته ،
و نضاله ،
و تآليفه ،
و درامته ،
و أشعاره ،
و بداياته ،
و نهاياته ،
فإنَّ لذلك فوارسه ، و حفَظَته ،
و كتَبَته البَرَرة ..
و أنَّى لي أن أحيط به
و قد قدم ..
( دراما ٩٠ ) ،
و ( دراما ٢٠٠٠ ) ..
و كتب ..
( مسلسل قطر الهم ) ،
و ( مسلسل الحراز و المطر ) ،
و ( مسلسل الحاجز ) ،
و ( مسلسل طائر الشفق الغريب ) ،
و ( مسرحية أحلام زمان ) ،
و ( مسرحية نبتة حبيبتي ) ،
و كتب ..
عشرات القصائد ،
النازفة و الشافية ،
الناسفة و الحميمة ،
الجَزْلى و العابسة ،
الواصلة و القاطعة ..
و كتب ..
( جواب مسجل للبلد ) ،
و كتب …
و كتب …
و كتب ،
( حروف اسمك
جمال الفال
و راحة البال
و هجعة زول بعد ترحال ) ،
و هي الأغنية التي جعل منها
الفنان محمد الأمين مُتَعَلَقاً
لمناط الُمحبين ..
و لكني فقط أشيرهنا إلى مواقف حميمة جمعتني به ، بدا لي في
ثناياها عالَمَاً من ( الهواشم ) ،
مُتَسِع الأرجاء ،
بعيد المَضَارِب ،
غزير العطاء موصوله ..

قبل الحرب بأشهر قصدته
بمنزله الكائن ( ببانت شرق ) ،
و هو المنزل الذي يوحي
بالبساطة ، و ينطق بالرحابة ،
و يشي بالرفعة و الترفع ..
و كان يومها معلولاً لا يغادر
سريره ..
جلست إليه ، و طفق يحدثني
طويلاً عن طرفٍ من همومه
و ما يؤرقه ،
و أوحى إليَّ بأنه ينوي استئناف
برنامجه في ( قناة النيل الأزرق ) ،
و أسرَّ لي بأنه لايروق له ( فُلاناً ) ،
فاقترحت عليه ( فُلاناً ) ،
و وافق ،
و قلت له عندما تتعافى سآتي
إليك و أرافقك للأخ ( عمار شيلا ) ،
مدير ( القناة ) لأقف معك على
ترتبات عودة ( البرنامج ) ..
و بدا سعيداً بذلك ..
و ودعتُهُ ..

و هذا من مواقف كثيرة لي معه ،
أذكر منها ..
أن أخي ( صلاح أحمد إدريس )
أبدى لي مرة رغبته في أن يزيل
الجفوة التي نشأت بين الأستاذ
( هاشم ) و الأستاذ ( أبوعركي البخيت ) ،
و في الموعد المحدد ذهبت
إليه و اصطحبته إلى ( كافوري ) ،
حيث يسكن ( صلاح ) ..
و أذكر أنني قد لمست منه أنه
كان راغباً في ذلك و حريصاً عليه ،
و أفاض في الثناء على ( أبوعركي ) ،
و أنه قد عبر عنه بأروع ما يكون
التعبير ..
و سرنا طريقاً نَعِمت معه بنفحات
من ذلك الجمال الذي أفاضا به
علينا ..
( أضحكي
تضحك الدنيا وتفيض
تصحا الكهارب في الشوارع
و ينكسر سور الموانع
و تبدا أعياد المزارع والمصانع
و توصل الناس الروائع
أضحكي ) ..
و قد سبق لي أن قلت و أنا أتحدث
عن ( أبوعركي عندما يغني ) ..
( هذه الأغنية أشبه بملتقى النيلين ،
إذ اجتمعت عندها عبقرية ( عركي ) اللحنية و الأدائية و الوجدانية ،
و علو كعب ( هاشم صديق ) ،
الذي لا ينظم كلاماً ،
بقدر ما يصوغ مشاعر ،
تكاد تراها وتسمعها وتتذوقها
و تتنفسها ..
و ستجد ذلك في كل أشعاره ،
و فيما تغنى أبو عركي ..
( كل البنات أمونة ) ..
و ( أذن الأذان ) ..
و ( الوجع الخرافي ) ..
و ( معاك يبقى الزمن حاضر ) ..
و ( قطر الهم ) ..
( قطر ماش
وعم الزين وكيل صنطور
و زي ما الدنيا سكة طويلة
مرة تعدي مرة تهدي مرة تدور
عم الزين محكر في قطار الهم
يغرب يوم يشرق يوم
شهور و دهور ) ..
و يومها ..
و ( صلاح ) يُغرِق المكان
بمشاعر دافئة حميمة ، أقبلا على
بعضهما كما يُقبِل كلُ حميمٍ
على حمِيمه ..
و عاد الصفاء ..

و استضافه يوماً منتدى
( النادي العائلي ) بالخرطوم ٢ ..
و كنت حضوراً ، و معي كاميرا
( قناة النيل الأزرق ) ، و قد درجنا
أن نعكس نشاط ( منتدى النادي
العائلي ) لمايحمله من ثراء ثقافي
و فني و رياضى و اجتماعي ..
و ألقى ( هاشم ) ليلتها قصيدةً
حارقةً في قَدْح الرئيس ( عمر
البشير ) ..
و كان ( المخرج ) المرافق للكاميرا
( صلاح أوندي ) ، و هو من أولئك
الذين يؤدون واجبهم بمهنية ،
و لا يجد الغرض إلى نفسه سبيلا ،
فقلت في نفسي سأترك له أمر
التقدير بالبث أو الحجب ، و بعد
أن فرغ من مونتاج ( البرنامج ) ،
أفادني بأنه قد ضمَّن الحلقة
قصيدة الأستاذ ( هاشم ) ، فلم
أعترض ..
و بُثت الحلقة ..
و في اليوم التالي إتصل بي
الأستاذ ( هاشم ) ..
( يا حسن نَزَلتو القصيدة دي
قاصدين و لا فلتت منكم !! ) ..
قلت :
( قاصدين أها رايك شنو يا أستاذ ) ..
( و مافي زول سألكم ؟ ) ..
( مافي زول سألنا و الله ) ..
( خفت عليك ) ..
( أها لقيتني كيف ؟ ) ..
و ضحك ..

و في إحدى حلقات ( أغاني و أغاني ) ،
تصدت ( مكارم بشير ) لأداء أغنية
( النهاية ) ،
و أبدت لي تخوفها من الأستاذ
( هاشم صديق ) و ورثة ( سيد
خليفة ) ، فأزلت مخاوفها بأن
تمضي في أداء الأغنية ، و تترك لي
أمر الأستاذ ( هاشم ) ، و كذلك
الأخ ( منتصر سيدخليفة ) ..
و قد كان ..
و بعد أن بثت الحلقة ،
و عند إنتهائها في الإعادة ، إتصل
بي الأستاذ ( هاشم ) فخفق
قلبي ، و لكن سرعان ما تبددت
مخاوفي و هو يحدثني بغبطة
و سرور مشيداً بأداء ( مكارم ) ،
و إعجابه الشديد بصوتها
و إحساسها ..
( غنتها كأفضل ما يكون ،
و لامانع لدي من التنازل لها ،
و السماح لها بترديدها ) ..
و انتهزت هذه الفرصة ، و حالة
من الرضى تتغشاه ، فاقترحت
عليه أن نستضيفه في ( الأستديو ) ،
بمشاركة ( مكارم ) فوافق ،
و ( منتصر ) الذي تعهد بدعوته ..
و كانت الحلقة التي أدارتها باقتدار
( نسرين النمر ) و انضم إليها
ضيفاً صديقي و صديق الأستاذ
( هاشم ) الأستاذ المحامي
( الفاضل دياب ) ، و ( منتصر
سيد خليفة ) ..
و غنت ( مكارم ) ..
( في يوم غريب
فيهو الشمس لمت غروبها
و سافرت
بانت نجوم متفرقة
زي الدموع في خد حبيب
ودع حبيبتو الفارقت
و الليل ضفاير حزنو
مداها الألم
زي التقول عارف النهاية القاربت
و الكون حزين خايف الهجير
شاف الربيع
غابت شهورو و هاجرت ) ..
و أنا ،
ما رأيت الأستاذ ( هاشم ) ، و هو
يتقلب في حالات من الاستغراق ،
و الاحتفاء ، و التجلي ، و الانفعال ،
و التجاوب ، و الوجع ، و الارتياح ،
و الانقباض ، و التعبير بكل حواسه
و فرائصه و أعضائه ، كما رأيته
يومها و ( مكارم ) تغني ( النهاية ) ،
إلى أن بلغت منتهاها ..
( ياحبي عيش
ياروحي عيش
كلمات خطاب
من الحبيب كان النهاية
حرفو الدموع
سطرو النحيب
و الحسرة كانت فيهو غاية
خلاني أغرق في المصير
و أنا لسه عايش في البداية
و اندم على الحلم اللي راح
و اطفي الشموع
و أبكي النهاية ) ..
اللهم اغفر لعبدك ( هاشم )
و ارحمه ..
و السلام ..
١١ نوفمبر ٢٠٢٤ ..

فجاج برس

صحيفة سياسة اجتماعية شاملة مستقلة ، تدعم حرية الرأي و الرأي الاخر، وحرية الاديان ، ونبذ خطاب الكراهية و العنصرية و القبلية و الجهوية و مكافحة المخدرات ، و تدعو للسلام و المحبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى