
من أعلى المنصة
ياسر الفادني
هاكم الزيت !!
غير قابل للنفي و لا حتى للتأويل أن قيادات نافذة من المليشيا، مع قواتها، تبحث الآن عن نفاج للخروج من المأزق الذي غاصت فيه حتى أذنيها، تأخروا كثيراً في إدراك الحقيقة، لكنهم أخيراً تيقنوا أن مواصلة القتال ضد القوات المسلحة لا تعني سوى مزيد من الهلاك، كل يوم يزداد عدد الهلكى في صفوفهم، وكل ساعة تتسع الهوة بينهم و بين ما كانوا يظنونه “انتصارات”.
الهزائم التي تكبدتها المليشيا في سنار، و الجزيرة، و الخرطوم، و شمال كردفان لم تكن مجرد إنسحابات تكتيكية كما ادعوا، بل هزائم صريحة تجر أذيال الخزي، وهي هزائم كشفت أكثر من أي وقت مضى أن المليشيا تفتقر إلى رؤية، وتفتقر إلى إجماع داخلي، بل حتى إلى شريان إمداد ثابت، انقطاع التشوين الذي كان يصل إلى بعض القيادات المقرّبة من النخبة، و غض الطرف عن بقية المقاتلين، أظهر حجم الفساد الداخلي، وأشعل الغضب في صفوفهم
الآن، بعض تلك القيادات تبحث عن زعامات سياسية تتكئ عليها كقشة للنجاة من الغرق، لكن حتى هذه المحاولات تبدو يائسة؛ فالانسلاخات العلنية التي بدأت تظهر، ورفض تنفيذ أوامر عبد الرحيم دقلو، فضلاً عن الصراع القبلي المتصاعد بين الفئة الحاكمة من الرزيقات وبين بقية المكونات، كلها عوامل جعلت المليشيا أقرب إلى الفرتقة منها إلى أي تنظيم عسكري
الروح المعنوية التي كانت في بداية الحرب تآكلت، لم يعد هناك ذاك الاندفاع الأعمى أو الحماسة الأولى، المقاتلون يقاتلون اليوم بلا إيمان، و بلا يقين، بل بجرجرة ثقيلة تفضح الانكسار الداخلي، في المقابل، تتسع فرص النفاج يوماً بعد يوم، ليس لصالح المليشيا كقوة منظمة، بل لصالح أفرادها وقادتها الذين يحاولون النجاة بأنفسهم من سفينة تغرق
و إذا أضفنا إلى ذلك ما يجري في جنوب كردفان، حيث شهدت حركة الحلو بدورها انسلاخات واضحة و رفضاً لتنفيذ التعليمات بالقتال، بل إنسحبت إلى كاودا، يتضح أن مشهد الحركات المسلحة و المليشيات على حد سواء يسير نحو التآكل الذاتي، لا صمود، و لا وحدة، ولا حتى قناعة بالمضي قدماً في حرب عبثية تحولت إلى محرقة .
إني من منصتي أنظر …. حيث أرى …. أن الأيام القادمة لن تأتي بجديد سوى إتساع هذا النفاج، لكن النفاج هذه المرة ليس باب خلاص مشرف، بل هو أقرب إلى مهرب الخائفين، الذين إنفضت عنهم الأقنعة، وأدركوا متأخرين أن دويلة الشر لم تُدخلهم إلا في نفق لا نهاية له إلا السقوط.