زاوية خاصة
نايلة علي محمد الخليفة
حكومة بالقطاعي!
كنت أتجول في السوق العام، ومررت بسوق الباعة ، فإذا بأحدهم يسوّق بضاعته بطريقة لافتة، وهو ينادي بصوت جميل ورخيم
“علينا بجاي، داير النضيف ما عليك إلا تقيف! بضاعة بالقطاعي، ولعبنا نضيف، وشغلنا حريف. ما عليك إلا تجيب قروشك وتشيل كل شيء بالقطاعي. إنت ما سامع ولا شنو؟ صابون بالقطاعي، بسكويت بالقطاعي ، رز بالقطاعي ، مكرونة بالقطاعي… وحكومتنا ذاتها بالقطاعي، تعال وخليك واعي!”
ابتسمت حينها، وقلت في نفسي ربما رئيس الوزراء كامل إدريس سمع هذا البائع، و استلهم منه كيف يروج لحكومته “المرتقبة” التي يبدو أنها تُعلن بالقطاعي، دفعة وراء دفعة، في بلد تمزقه الحرب وتتكاثر عليه الأزمات، ويحتاج إلى حكومة كاملة الرؤية والمهام ، لا خمسة وزراء اليوم ومثلهم بعد أسبوع!
رئيس الوزراء الذي ظن الناس أنه سيجيء بحكومة طوارئ تلبي احتياجات الداخل وتخاطب المجتمع الدولي، فاجأهم بحكومة تشبه سلع الباعة في الأسواق ، كل أسبوع دفعة جديدة من الوزراء عبر مراسيم جمهورية متقطعة، لا يربطها جدول معلن، ولا تصور واضح، وكأنها لعبة مكعبات يتم تركيبها على مهل، وسط نيران مشتعلة.
الناس لا تنتظر وزراء بالقطاعي، بل حكومة متكاملة تستطيع مخاطبة تحديات السودان السياسيّة ، الاقتصادية، الأمنيّة، والإنسانيّة. والبطء الذي لازم إعلان هذه الحكومة ليس فقط غير مبشر، بل يعكس خللاً عميقاً إما في اتفاق الأطراف، أو في جاهزية التصور، أو حتى في جدية المرحلة برمتها.
فإذا كان الإعلان الوزاري يتم هكذا بالتقسيط، فما الذي يُنتظر من السياسات العامة؟ من خطة التعافي؟ من تعيينات الخدمة المدنية؟ من مشاريع إعادة الإعمار؟
البلاد لا وقت لها لتنتظر وزيراً كل جمعة ، أو طاقماً ناقصاً يجتهد في الصلاحيات حتى يكتمل المجلس ، نحن لسنا أمام برنامج من حلقات درامية، بل أمام واقع ملتهب، ومواطنين ينتظرون خبزاً وعدالة وأمناً لا تصريحات ومراسيم مؤجلة.
المثير للدهشة أن كل دفعة وزارية تُعلن تُرافقها موجة تفسيرات واجتهادات وتحليلات… من الذي اختار الوزير الفلاني ؟ من اعترض على فلان وكان سببا في التأخير؟ حتى بات الناس يخافون من القادم أكثر مما يطمئنون له.
إننا نحتاج حكومة تُعلن دفعة واحدة كما تُصب الماء على نار، لا كما تُقطر الزيت على حجر ، حكومة تملك قرارها، وترفع رأسها، وتقول للشعب ها نحن، هذه خطتنا، وهؤلاء رجالنا ونساؤنا… فانتظروا العمل لا المفاجآت.
أما الحكومة التي تُبنى كما تُبنى مائدة السوق الشعبي، فستظل عرضة للخلع والاهتزاز، وتفتقر لثقة الداخل والخارج على حدٍ سواء.
الشعب يريد حكومة وطن لا حكومة دفعات… يريد رجال دولة لا عارضين لبضاعة سياسية في مزاد الأزمة ، فكما قال البائع “تعال وخليك واعي”…
نقول: كامل إدريس، نحن واعون ..والحكومة بالقطاعي لا تُبشر بخير…لنا عودة




