سفر الخواطر
الفاتح عبد المجيد
غياب التوافق السياسي وتضارب الأجندة
يشهد السودان حالة من التعدد الحزبي غير المسبوق في المنطقة، حيث يتجاوز عدد الأحزاب السياسية المئة، وهو رقم يعكس ظاهريًا حيوية سياسية، لكنه في جوهره يكشف عن حالة من التشرذم والانقسام أدت إلى إضعاف بنية الدولة وتعطيل مسارها نحو الاستقرار والتنمية.
منذ استقلال السودان في عام 1956، لم تعرف البلاد استقرارًا سياسيًا حقيقيًا، بل تعاقبت على حكمه أنظمة عسكرية ومدنية في دورات متكررة من الانقلابات والانتفاضات، وكان القاسم المشترك في كل تلك المراحل هو فشل النخب السياسية في الاتفاق على مشروع وطني جامع. وقد لعبت كثرة الأحزاب، بانقساماتها وتحالفاتها المؤقتة، دورًا كبيرًا في تعميق الأزمة الوطنية، حيث غابت الرؤى الموحدة، وسادت المصالح الحزبية الضيقة على حساب المصلحة العامة.
وفي خضم هذه الفوضى السياسية، اندلعت الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، لتكشف حجم هشاشة الدولة السودانية. ولقد ساهم غياب التوافق السياسي، وتضارب الأجندة بين الأحزاب، في تفكك المؤسسات، مما هيأ الأرضية لانفجار الصراع المسلح وفي الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى جبهة مدنية موحدة تدعم عملية السلام والتحول الديمقراطي، تستمر الأحزاب في اصطفافات متنافرة، بعضها يدور في فلك العسكر، وبعضها الآخر يسعى لتعزيز نفوذه عبر التحالف مع قوى الأمر الواقع.
إن استمرار هذا الواقع ينذر بمزيد من التدهور السياسي والأمني، ويجعل من الصعب تصور مستقبل مستقر للسودان ما لم تُعَد صياغة المشهد الحزبي برؤية وطنية جامعة، تُقدم المصلحة القومية على المصالح الحزبية، وتُمهِّد لقيام دولة مدنية ديمقراطية قادرة على استيعاب الجميع.
